آراء

سوريا، ضبابية الرؤية التحليلية الدقيقة لمآلات الوضع فيها.

فرحان مرعي

انطلقت الثورة السورية بأهداف واضحة،تمثلت بإنهاء الإستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، ينعم فيها الجميع بالحرية والكرامة ، إلا أنّ الثورة اتخذت مسارات عديدة، وخرجت عن مسارها السلمي إلى التسليح، والحرب الأهلية والطائفية، وإلى التدخل الدولي وما نتج عنه من صراع وأزمة دولية ما زالت مستمرة منذ ٢٠١٢ إلى الآن، ولم تجد طريقاً لها إلى الحل، رغم القرارات الدولية الخاصة التي تدعو إلى الحل السياسي ، بل تتعمق الأزمة مع تحويل سوريا إلى مناطق نفوذٍ تُدار عبر وكلاء محليين، وميليشيات وفصائل مسلحة وسلطات أمر الواقع، مختلفة العقائد والآيديولوجيات، القاسم المشترك بينها انعدام الشرعية والقانون ونهب ثروات البلاد،وإفقار الشعب ، وانتُهِكت السيادة الوطنية على وقع هذا التدخل الدولي.

في هذه الزحمة والتداخل ، ومع تعدد القوى الدولية والإقليمية على الساحة السورية، لا تدري بالضبط من يتحكّم بالقرار السوري، هل هي روسيا أم أمريكا؟ ، تركيا أم ايران؟ ، هل هي الميليشيات المتعددة ؟، وخاصةً أنّ ثمة مَن يدّعي إنه هو الذي أنقذ النظام السوري، من السقوط ومن سيطرة الإرهاب والقوى المتطرفة الدينية على مقاليد السلطة في سوريا، أم أنّ هناك قوى خفية أخرى وراء استمرار الأزمة في سوريا، واتفاقيات سرية، لتقسيم تركة الدولة المريضة، وتعرقل الحل؟ لذلك يتساءل المواطن السوري بمختلف انتماءاته وتوجهاته، ومستوياته الثقافية والسياسية : كيف ستكون سوريا القادمة؟ ما هي آفاق الحل؟ هل سيتمّ تنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤، الصادر عن مجلس الأمن ٢٠١٥ ،أم أن سوريا تذهب إلى التقسيم أم إلى المجهول ؟ ، كلها أسئلة محقة لم تجد لها أجوبة جازمة ، حتى اللحظة، وكأنّ الأزمة السورية أصبحت لغزاً، أو ما يشبه القراءة في الفنجان،!!!

بالتوازي مع تعمق الأزمة السورية يتراجع مستوى الاهتمام الدولي بها أو توضع في الثلاجة السياسية الدولية ، مع ظهور بؤر ونزاعات دولية جديدة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، واخيراً حرب غزة التي هي محور الاهتمام الدولي اليوم؛ لأنّ إسرائيل طرف فيها، والتي تحظى برعاية دولية خاصة بالتماس مع تعقيدات القضية الفلسطينية ، وامتداد للأزمة السورية، ومؤشر على حدوث تحولات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. على وقع التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وايران، وما جرى بينهما من عمليات قصف صاروخي وجوي وعبر المسيرات ، ولو بشكلٍ مسرحي وخلبي ، وبعيداً عن قواعد اللعبة العسكرية المعهودة، العالم اليوم في انتظار ما تؤول اليه الأوضاع، من نتائج حرب غزة، وفي نفس الوقت تلوح في الافق ملامح حركة سياسية وديبلوماسة، تجري في الطرف الآخر من المنطقة الساخنة في (شمال شرق سوريا) والحدود العراقية التركية ، تمثلت في زيارات الحكومة التركية إلى العراق والأخيرة إلى أمريكا والزيارة الحالية للرئيس إردوغان إلى بغداد ، ٢٢ نيسان ٢٠٢٤، ومن ثم أربيل عاصمة إقليم كُردستان العراق، وكان من المقرر زيارة إردوغان إلى واشنطن،لذلك يتساءل المراقب هل هذه الزيارات المتبادلة هي للاتفاق والتنسيق للقيام بعمليات عسكرية مشتركة، على كامل الحدود التركية السورية العراقية، بما فيها معالجة بؤرة التوتر في سنجار، تحت مسمّى محاربة الإرهاب وحماية الأمن الإقليمي للدول المعنية، أم أنّ الأوضاع ستبقى كما هي عليه، وتبقى في إطار عمليات تسخين سياسية وصفقات تجارية واقتصادية، وفتح خطوط تجارية جديدة لها،؛ لأنّ الجميع يسرح ويمرح ويجني الفوائد من استمرار الأزمات وبقاء الفوضى، بينما الخاسر الأكبر هم شعوب المنطقة من المدنيين واستمرار تهجيرهم وتدمير مناطقهم وتفريغها ، من سكانها الأصليين وما يتبع ذلك من تغيير ديمغرافي ممنهج ؟؟؟.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “319”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى